نواب «نزيهة» يستعدون لغزو برلمان ما بعد الثورة.. ولواءات بصفة الفلاحين وأطباء ومهندسون يخوضون الانتخابات «عمال» وأصحاب الحق محرومون
لواءات فى ثوب الفلاحين، ووزراء باسم العمال فى برلمانات ما قبل الثورة، كانوا يعبرون عن التلاعب والفساد فى اختطاف الانتخابات الآن بدأ سباق تغيير الصفة الانتخابية.. الحيلة التى يلجأ إليها المرشحون فى الانتخابات البرلمانية للهروب من المنافسة وضمان الوصول إلى مقعد البرلمان. يضبط المرشح «بوصلته» على الصفة الانتخابية «فئات أو عامل أو فلاح» حسب مؤشرات المنافسة فى دائرته من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الأمر يتم وفق إرادة الحزب الوطنى «المنحل» فى توجيه مرشحيه، وليس بحسب الصفة الحقيقية للمرشح.
«العامل والفلاح» يضمنان لأصحابهما نصف مقاعد البرلمان، بحسب الدستور، ولذا تظل تلك الصفة الأكثر جذبا لغالبية المرشحين لخوض الانتخابات على أساسها، لذا لم يكن مستغربا طوال سنوات حكم الحزب الوطنى المنحل أن ترى لواء شرطة وأستاذ جامعة.. ومهندسين وأطباء يخوضون الانتخابات بصفة «عامل أو فلاح»، وهو ما دفع القوى والأحزاب السياسية للمطالبة بإلغاء تلك النسبة، مشيرين إلى أنها تسمح بارتكاب العديد من التجاوزات، وفى مقدمتها تسهيل تغيير الصفة الانتخابية.
وكانت انتخابات 2010 شهدت ضجة واسعة حول تغيير الصفة الانتخابية لعدد من المرشحين، ولعل ما جاء فى حكم القضاء الإدارى ضد اللواء يحيى عزمى شقيق زكريا عزمى يوضح أن النظام السابق استخدم الصفة الانتخابية ليمنح أعضاءه أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، وكان من أبرز الأمثلة على ذلك أيضا، واقعة سيد جوهر مرشح الحزب الوطنى على مقعد العمال فى دائرة الدقى فى تلك الانتخابات، وأيضا منافسه فى نفس الدائرة، اللواء سفير نور مرشح حزب الوفد على مقعد «فلاح»، والذى صدر حكم القضاء الإدارى ببطلان ترشيحه لأنه كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية، وقام بتعديل وظيفته ببطاقة الرقم القومى إلى مزارع فى شهر سبتمبر من عام 2010، علاوة على أن مقر إقامته المدون فى البطاقة حى الدقى، وتقع الأرض الزراعية الخاصة به بمركز بسيون بمحافظة الغربية، وبالتالى تنحسر عنه صفة الفلاح، وعلى الرغم من ذلك نجح سفير فى الانتخابات، وفاز بمقعد العمال عن دائرة الدقى، ولم تفصل اللجنة العليا فى الشكاوى والطعون المقدمة لها ضد تغيير صفته الانتخابية شأنه شأن المئات من المرشحين وقتها.
ضباط الشرطة المتقاعدون عن العمل كانوا من ضمن الفئات، التى تلجأ إلى تحويل صفتهم الانتخابية إلى «فلاح»، مستندين فى ذلك إلى أوراق يقدمونها تؤكد حيازتهم لأراضٍ زراعية، بما يمكنهم من الترشح بصفة «فلاح»، على الرغم من أن المحكمة الإدارية العليا، أصدرت حكما بعدم السماح لكل من حصل على مؤهل عالٍ الترشح للانتخابات بصفة عامل أو فلاح، وفى دائرة مشتول السوق، تنازل اللواء محمد أحمد صالح، وهو لواء شرطة ومساعد وزير الداخلية الأسبق، عن 46 فدانا لمصلحة أبنائه، واكتفى بـ8 أفدنة و14 قيراطا، حتى يتمكن من الترشح بصفة فلاح فى انتخابات مجلس الشعب الماضية، ونفس الوضع بالنسبة لعقيد الشرطة سعيد العبودى، من قرية أنشاص الرمل.
المستشار محمد عيد سالم «الأمين العام للمجلس القضاء» أبدى استنكاره لما كان يحدث من تلاعب وتحايل على القانون من بعض المرشحين، الذين اعتادوا اللجوء إلى تغيير صفاتهم الانتخابية إلى «عامل أو فلاح»، واصفا ذلك بأنه كان نوعا من العبث، ومخالفا لما نص عليه الدستور بشأن ضرورة احترام الصفة الانتخابية، خاصة صفة الفلاح، الذى يجب أن يمتلك 10 أفدنة فأقل، وأن يكون من الممارسين للزراعة والفلاحة.
ويرى المستشار سالم ضرورة فى أن تتأكد اللجنة العليا للانتخابات من الظروف المصاحبة لتغيير الصفة والتحقق من مدى سلامتها، مشيرًا إلى أنه فى حال إقرار وموافقة اللجنة العليا للانتخابات على تغيير صفة المرشحين فإنه فى تلك الحالة يجوز الطعن على قرارها عندما لا تطبق القانون من وجه نظر المدعى.
من جانبها وفى إطار محاصرة هذه الظاهرة حددت اللجنة المؤقتة لاتحاد العمال عددا من الضوابط والشروط الجديدة لأول مرة هذا العام لمنح شهادة «الصفة العمالية» للمرشحين للانتخابات البرلمانية، من أجل منع رجال الأعمال ولواءات الشرطة من الحصول على هذه الشهادات دون وجه حق، كما كان يحدث فى السابق.
وقال ناجى رشاد عضو اللجنة المؤقتة واللجنة الفرعية لمنح شهادات الصفة فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» أن هناك ضوابط وضعت لذلك، من بينها أن يكون المتقدم عاملا فى أحد مواقع العمل فى نفس الوقت، الذى يتقدم فيه بأوراقه، وأن يكون مسددا لاشتراكات العضوية النقابية بانتظام، وليس كما كان يحدث فى السابق عندما يلجأ رجال الأعمال لتسديد قيمة الاشتراك لمدة سنة دفعة واحدة، مشيرا إلى أن اللجنة قررت تحويل أى عضو من أعضاء النقابات العامة أو اللجان النقابية، يثبت تلاعبه لصالح أى شخص، إلى النيابة العامة فورا.
وأوضح رشاد أن اللجنة وضعت عددا من الضوابط لأصحاب المهن الحرة، من بينها تقديم شهادة من التأمينات الاجتماعية تفيد بأنه مؤمن عليه من قبل صاحب العمل لمدة ثلاث سنوات على الأقل بشكل متواصل، وأكد أن هناك عدداً من الضوابط الجديدة فى منح شهادات الصفة العمالية، منها أن يكون المتقدم عضوا فى أحد التنظيمات النقابية لمدة عام على الأقل وحاصلا على مؤهل متوسط أو أقل من المتوسط، فى وقت دخوله إلى العمل، مضيفا أن رئيس اللجنة فقط هو صاحب التوقيع على الشهادة، ولا تغنى توقيعات أى من نوابه أو أعضاء اللجنة عن توقيعه.
وأكد رشاد أن الأعضاء التابعين للنقابات المستقلة، لن يحصلوا على شهادات الصفة العمالية، فى حالة استمرار عضويتهم فى هذه النقابات، حيث إن القانون الحالى 35 لسنة 67 المنظم للنقابات، لا يعترف بالنقابات المستقلة، كما أن قانون الحريات النقابية، الذى يعترف بهذه النقابات، ما زال فى مجلس الوزراء ولم يصدر حتى الآن، مضيفا أن الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، لن يكون له الحق فى إصدار شهادات الصفة للمرشحين، وبالتالى فمن حق المرشحين المنافسين الطعن على هذه الشهادات.
وأوضح رشاد أن اللجنة ستستمر فى منح شهادات الصفة العمالية حتى تعلن اللجنة العليا للانتخابات غلق باب تقدم المرشحين بأوراقهم الانتخابية، مشيرا إلى أن استخراج الشهادة من الاتحاد لن يستغرق أكثر من 48 ساعة، مضيفا أن اللجنة قررت تغيير ختم الاتحاد القديم تحسبا لوجود شهادات قديمة لدى الأعضاء حصلوا عليها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وسيتم إبلاغ وزارة الداخلية واللجنة العليا للانتخابات بتغيير الختم، وتوقع رشاد أن يصل عدد الشهادات خلال هذه الانتخابات إلى 20 ألف شهادة.
من ناحية أخرى قال خالد على مدير المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن موقف اللجنة المؤقتة من الناحية القانونية صحيح، ولن يستطيع أحد أن يشكك فى شرعيتها لمنح شهادات الصفة العمالية، باعتبارها لجنة مؤقتة، مضيفا أن قرار مجلس الوزراء نص على إسناد إدارة الاتحاد للجنة من أجل تسيير أعماله بجميع أنواعها، ومن بينها إصدار شهادات الصفة العمالية.
واقترح خالد على توقيع برتوكول تعاون بين اللجنة المؤقتة لإدارة الاتحاد واللجنة التأسيسية للاتحاد المصرى للنقابات المستقلة لإصدار شهادات الصفة العمالية من الاتحادين بشكل ودى.
من جانبه قال محمد سالم رئيس لجنة اللائحة بالاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، إن هناك عددا كبيرا من النقابات المستقلة، بدأت فى إصدار شهادات الصفة العمالية لأعضائها فى المحافظات، مشيرا إلى أنه فى حالة رفض اللجنة العليا للانتخابات لهذه الشهادات، فسيلجأ الاتحاد للقضاء الإدارى ومنظمة الأمم المتحدة لإثبات حق النقابات المستقلة فى منح هذه الشهادات.
فيما أكد كمال أبوعيطة رئيس الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، أنه ليس من حق اللجنة المؤقتة لاتحاد العمال إصدار شهادات الصفة العمالية، خاصة أن الاختصاصات التى حددها وزير القوى العاملة للجنة لا تتضمن منح شهادات الصفة العمالية، محذرا من الطعن فيما بعد على شرعية هذه الشهادات من قبل المرشحين أثناء العملية الانتخابية.
وطالب أبوعيطة بوقف إصدار شهادات الصفة نهائيا من قبل الاتحاد وأن يثبت المرشح صفته العمالية من خلال أوراق التأمينات الاجتماعية، مضيفا أن اللجنة المؤقتة سيتم تضليلها من قبل القيادات الوسطى للنقابات واللجان النقابية، وسينتج عن ذلك إصدار شهادات لرجال أعمال ولواءات الشرطة مرة أخرى، خاصة أن هؤلاء القيادات هم أنفسهم الذين ساعدوا رجال الأعمال ولواءات الشرطة فى الحصول على نفس الشهادة فى الانتخابات السابقة.
فيما هاجم الدكتور كمال حبيب الخبير فى شؤون الجماعات الإسلامية بقاء نسبة الـ50 % للعمال والفلاحين، مطالبا بإلغائها لأن بعض لواءات الشرطة استغلوها لسنوات طويلة فى خوض الانتخابات تحت صفة «فلاح» بحجة امتلاكهم أراضى زراعية، ويؤكد حبيب ضرورة أن تكون عقوبة التلاعب فى الصفة الانتخابية هى إسقاط عضوية النائب فى البرلمان، مطالبا بدخول النقابات المهنية والعمالية كطرف فى إقرار التأكيد على هوية المرشح للانتخابات سواء بإثباتها أو نفيها عن طريق التحرى والحقائق وليس عبر أوراق الحيازات، التى يتم بها التحايل على الصفة الانتخابية.
ويتفق أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتور إبراهيم حجازى مع الدعوات إلى تغليظ العقوبات ضد مرتكبى «جريمة» تحويل الصفة الانتخابية بحرمان من تثبت إدانته من خوض انتخابات مجلس الشعب والشورى طيلة حياته، مشددا على ضرورة إلغاء نسبة الـ50 % الخاصة بالعمال والفئات، ويشير حجازى إلى أن الانتخابات المقبلة ستشهد معارك شرسة بين المرشحين فى ظل قانون الانتخابات الجديد، واصفا إياه بالـ«مصيبة»، مطالبا بتقصى اللجان الانتخابية عن هوية المرشح قبل قبول أوراقه لتفادى الوقوع فى الأخطاء السابقة.
ويرى عمرو هاشم ربيع خبير شؤون الأحزاب السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ضرورة فى أن ينهى المجلس العسكرى الجدل الخاص بنسبة العمال والفلاحين، معتبرا أن المجلس تقاعس عن حسم الأمر، على الرغم من إدراكه أن ذلك البرلمان لن يقدم على إلغاء تلك النسبة، لأن ذلك يعنى أن يلغى النواب أنفسهم، ويصف الدكتور ربيع الإبقاء على نسبة العمال والفلاحين بأنه يمثل «كارثة»، متوقعا استمرار مظاهر الفساد الانتخابى فى حال الإبقاء على نسبة الـ50 %، واستمرار نفس آليات عمل اللجان الانتخابية.
من جانبه انتقد جورج إسحاق، المنسق العام السابق لحركة «كفاية» والقيادى بالجمعية الوطنية للتغيير، عدم الحسم فى اتخاذ قرار بإلغاء نسبة الفلاحين والعمال، مشددا على ضرورة وضع اللجنة العليا للانتخابات معايير واضحة وصارمة للتعريف بهوية الصفة الانتخابية للمرشحين لمنع التحايل من قبل المرشحين.
وحذر إسحاق من أن عدم استقلالية اللجنة العليا الانتخابات وجعلها غير قابلة للعزل، من شأنه أن يؤدى لاستمرار الممارسات السابقة، مشددا على ضرورة وضع عقوبات صارمة تصل لحد الشطب على أى مرشح تثبت مخالفته وتحايله على صفته الانتخابية.